ثقافة وفنون

المحجَر .. يوميات في زمن كورونا ــ كتاب لمؤلفه ،، جبار بجاي

 بقلم الكاتب الصحفي ــ القاص والروائي والموسوعي / صادق فرج التميمي
كُتب في بغداد ــ الجمعة 5 شباط 2021

سرد شيق وآسر صنعه بحرفنة المبدع الكاتب المؤلف جبار بجاي، تعش معه ساعات مصيرية حيث يتعارك في ساحة الكتاب لحظات رعب وأمل ما بين الحياة والموت، ساعات مصيرية وكأنها فعلا تحكم مصيرك ..

بقلم صادق فرج التميمي
فكرة الكتاب عباره عن مجموعة مختارة من القصص الجوالة ركز فيها الكاتب على الساعات الحرجة في محافظة واسط حيث الصراع الذي يشعرك بتجميد الزمن لبطله المصارع الوهمي العنيد كورونا، حتى بدت تلك الساعات الحاسمة طويلة جدا تمتد لتحجز مكانا لها في التاريخ وتحديدا في تاريخ محافظة واسط على امتداد مساحتها في سطح العراق، وبقصص جميلة تداخل فيها البكاء والفرح في لحظات إنسانية مثيرة، عبر عنها المؤلف بشكل بديع عن غيرة العراقيين في واسط ومنظومتهم الاخلاقية التي لم تتصدع رغم العصف السياسي والامني والفقر والجوع والمصارع الوهمي العنيد كورونا، وأنقل هنا بعضاً من اللحظات الانسانية:
يقول الكاتب في حكاية (كسر الحظر ينتهي بالرصاص): “سمعت ان بعض الخياطين في سوق رؤوف يخيطون الكمامات ويوزعونها مجانا، اتجهت هناك وجدت شابا منهمك بخياطة الكمامات ، هو الوحيد موجود:
السلام عليكم ..
عليكم السلام ..
عمو ممكن وحدة منها ..
إي تدلل .. إشكد عائلتك ..
6 نفرات ..
هاك هاي 7 ، وحدة إلبسها هسه والباقي للعائلة ..
أشكرك .. إشكد تأمر ..
الله وياك روح يابه .. تدلل .. نخيط ونوزع بلاش وحتى الصحة كالو عنها ممتازة ..
أشكرك .. الله يبارك بيكم ..
إنه وصف بديع لشخصيات واسطية عراقية، ومن أجمل ما وصف تلك المبادرات والمواقف الانسانية المتعددة لأهالي واسط سواء أكانت شخصية او مؤسساتية ومواكب وهيئات دينية وحسينية وتيارت شعبية وقوى سياسية وفرق تطوعية نفذت مبادرات خيرية لإسناد الاداء الوظيفي المميز لكوادر الجيش الابيض في واسط، حيث تكاتف الجميع لمقاتلة المصارع الوهمي العنيد كورونا الذي لا يزال يشكل خطرا، وأظن أنه سينتحر او يقتل بإرادة امريكية ــ صينية على القول المفيد: أهل مكة أدرى بشعابها ..
جبار بجاي ، نورس المهنة وكاتب المقال الجميل والخبري المميز، صاغ كتابه بمنهج إبتكاري يتحدث عن قصص سيخلدها التاريخ، وبشكل أدق سيخلدها الزمن كلحظات مفصلية تركت أثرا على تاريخ البشرية في العراق والعالم من بعد التقارب والتباعد المكاني والزماني، توزيع المصارع العنيد كورونا جنوده على سطح المعمورة، وصاغها بأسلوب أدبي رشيق ،وبتلميحات عميقة للأحداث والأشخاص لا تخلو من براعة وذكاء أن لم اجزم إنها البراعة والذكاء بعينها ..
يخبرنا المؤلف في كتابه أن المصارع العنيد هذا وجيوشه ذا شأن خطير وسمومه غير قابل للنقاش ، وكإنه أراد يتجنب القول أن سموم المصارع وجنوده ربما نشأت في يوم من تجرية خاطئة أو على الأقل غير مقصودة، أو على أضعف تقدير تجربة تساوت إحتمالاتها فكانت الانسانية هي الهدف، بل وأراد ان يخبرنا أيضا أن أشد لحظات الخوف أن لا يصاب الانسان باليأس والإحباط ..
تلك اللحظة السردية التي عززها جبار بجاي بعلامة فارقة في الكتابة لاستيعاب التاريخ ذاته في زمن صعب لم يكن ليحدث من قبيل الصدفة ، وإن لم يؤشر لنا صراحة ذلك بسبب حياديته وموضوعيته ، وأظن أنه أراد من وراء ذلك أن يترك تلك اللحظات للتاريخ من دون أن يفوته توظيف أداة جديدة تتجاوز الأدوات التعبيرية والفنية المتداولة ، ليجعل من التاريخ هو الآخر أداة للتحول في تجربة تشبه تجربة إعادة إنتاج الحكاية بحوارات شعبية وبأدوات تأرجحت بين العراقة والحداثة بالاقتراب كثيرا من الصدق، أي تقديم الحقيقة كما هي لتكون قابلة للتصديق والتعامل مع لحظات الواقع الذي تنتظره الاجيال اللاحقة ..
وبدا لي جبار بجاي سارد لمشاهد حقيقية منذ الصفحة الأولى من الكتاب ، سارد ممتلئ حتى النخاع، بالأخبار، وسارد لا يمل من تقديم المعرفة الاخبارية ليصنع للمتلقي أو المستمع بما شاهد فيما إذا تحَّول هذا المنجز الثقافي المهم على أيدي كاتب سيناريو محترف ليعرض من على شاشة تلفاز كدراما عراقية تدور احداثها في الزمن الصعب ليس الدراما الفاشلة التي أنتجت ما بعد عام الاحتلال الامريكي للعراق 2003 ..
لقد نجح جبار بجاي في كتابه هذا بالاقتراب كثيرا من إسلوب القاص والروائي الكبير جرجي زيدان ، صاحب التجربة الفعلية للنص الحكائي بالأسلوب الروائي ، وصاحب الرغبة الدائمة في البحث عن الشرعية الابداعية التاريخية في الزمن والمكان المناسبين وبخصوصية فكرية وجمالية تشد القارئ ..
شُكرا لأبطال الكتاب في محافظتي، واسط الحبيبة، وشُكرا للكاتب الجميل جبار بجاي، وشُكرا لصديقي الناشر ثائر العصامي الذي سلمني صباح أمس الخميس كتاب (المحجَر .. يوميات في زمن كورونا ــ لمؤلفه جبار بجاي المذيل لي بإهداء جميل، وجعلني أستمتع بقراءته حتى فجر اليوم التالي لأخرج بهذه الحصيلة النقدية .. محبات لصناع الحياة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى