Sliderتحقيقات

” وطن برس ” تلاحق وحش الحدود وتكشف عن أعداد ضحاياه 

(13436  ) مواطناً بين مصاب ومتوفى ضحايا الألغام في اقليم كردستان 

أربيل / جبار بچاي

بقدم صناعي وعكاز صدء لكثرة استخدامه ، يتحرك أنمار عمران ، خلف قطع الماشية الذي يرعاه في أطراف قرية تاتان بقضاء بنجوين شمال شرق مدينة السليمانية بإقليم كردستان ، وأكثر ما يخشاه الرجل ذو الـ  46 عاماً أن يتعرض الى حادث آخر يؤدي الى بتر قدمه الثاني بعد الأول الذي تطاير الى أشلاء إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب العراقية الايرانية 1981 ــ 1988 .

قصة أنمار الذي اعتاد استخدام القدم الصناعي والعكار منذ شتاء 1998 بعد حصوله عليهما من إحدى المنظمات الإنسانية التي زارت القرية ، هي واحدة من قصص كثيرة لضحايا حقول الألغام التي تمتد على مساحات واسعة في مناطق الشريط الحدودي بين العراق وايران ابتداء من المثلث العراقي الايراني التركي أقصى شمال العراق وانتهاء في الفاو أقصى الجنوب العراقي الفاصل مع ايران.

” الوحش أو الوحش الصامت أو وحش الحدود ” التسمية الأكثر شيوعاً عند أهالي المناطق الحدودية ممن هم أكثر عرضة لانفجارات تلك الالغام التي تمتد لمساحات شاسعة يقدر طولها بنحو 1200 كم تحتوي على ما يقرب مابين 25 ــ 27 مليون لغم أرضي وفقا لتقديرات الجهات المعنية ، منها حوالي ثمانية آلاف لغم ضمن حدود الإقليم والباقي موزعة بين محافظات ديالى وواسط وميسان والبصرة وذلك ما سنتناوله لاحقاً في الجزء الثاني من هذا التحقيق.

العدد الهائل من الألغام إضافة الى المخلفات والمقذوفات الحربية المختلفة في مناطق الاقليم دفع حكومة اقليم كردستان لتشريع قانون المؤسسة العامة لشؤون الألغام عام 2007 بعد أن تأسست أول مرة عام 2004 وأصبحت إحدى مؤسسات حكومة إقليم كوردستان .

أربع مديريات تراقب قضية الألغام

” تتبع المؤسسة العامة لشؤون الألغام مجلس وزراء الإقليم وتمتلك قاعدة بيانات لضحايا الألغام، هذه القاعدة تم أعدادها بعد المسوحات التي أجريت من قبل المنظمات العاملة في مجال كشف ونزع الألغامخلال أعوام 2000 ــ 2006 ويتم تحديثها شهريا ” يقول آكو عزيز ، مدير التوعية ومساعدة ضحايا الألغام في المؤسسة مضيفاً.

” يتكون الهيكلُ التنظيمي للمؤسسة من المقر الرئيسي الذي يحوي مكتبَي رئيس المؤسسة و نائب الرئيس، بالإضافة الى المديرية العامة للشؤون الإدارية و المالية التي تدعم البرنامج من الناحيتين الإدارية و المالية، و المديرية العامة للشؤون التقنية  التي تُشـرف و تُراقب تنفيذَ برنامج شؤون الألغام من الناحية التقنية و للمؤسسة كذلك أربع مديريات عامة في محافظات أربيل و دهوك و السليمانية و إدارة گرمیان حيث تنفذ هذه المديريات العامة أعمالَ و نشاطات بـرنامج شؤون الألغام باعتبارها مراكز شؤون الألغام على مستوى المحافظة.”

ويقول إن “رؤية المؤسسة هي السعي نحو إقليم كوردستان خالٍ من العواقب الاجتماعية  والاقتصادية و البيئية للألغام و المخلفات الحربية، بهدف أن يعيش شعب كوردستان في بيئةٍ أمنةٍ تُحفزُ نمو البنى التحتية و إعادة إدماج كل الناجين من أحداث الألغام و المخلفات الحـربية بالمجتمع، بالتوافق مع حقوق الإنسان الأساسية ونحرص أن يكونوا نافعين ومنتجين ، والسعي لتصفير حوادث الألغام التي لم يسلم منها إضافة الى الانسانالشجر والحجر والمواشي التي تتعرض دائماً الى هلاكات بسبب دخولها في حقول غير معلومةللألغام.”. 

يسعى القائمون على المؤسسة الى استخدام الموارد البشــرية و اللوجستية المتاحة بشكل فعّال و تطوير القدرات التقنية من أجل ضمان محــو تأثيرات الألغام و المخلفات الحربية على المواطنين و تطوير البنية الاقتصادية لإقليم كوردستان.

وعن المــهـــام الـرئيســــية للمؤسسة قال عزيز: ، ” تتركز مهامها على تنفيذ و إشراف و مراقبة أعمال و نشاطات برنامج شؤون الألغام في إقليم كوردستان مثل تطهير المناطق، الحقول الملوّثة بالألغام و المخلفات الحربية، التخلص من مخزون الألغام و المخلفات الحربية، توعية المواطنين و مساعدة الضحايا، دعم الاتفاقيات و الحملات العالمية والمحلية حول منع الألغام والمتفجرات في العالم عامة وفي العراق و إقليم كوردستان خاصة. 

كاشفاً عن أن ” قوة عمل المؤسسة تتألف من 38 فرقة للإزالة اليدوية و خَمسُ فُـرَق للمسح التقني الأولي (PTS) و أربع فُـرَق للتخلص من المتفجرات (EOD) و سبع فُـرَق للإزالة بالمكائن مع وجود ثلاثة مراكز تدريبية في السليمانية و سوران و دهوك لتدريب الموظفين على مجالات شؤون الألغام و تنمية خبراتهم. 

القرويون أكثر الضحايا 

ويقول إن “موضوع الألغام من المواضيع الشائكة والمعقدة والتي يصعب حلها أو حسمها بجهد وطني دون أن يكون هناك جهد دولي كبير وتخصيصات مالية تتناسب وحجم الكارثة التي تمتد على طوال الحدود العراقية الايرانية وتهدد حياة مئات الآلاف من البشر خاصة سكان المناطق الحدودية .”

مضيفاً إن القرويين هم أكثر ضحايا الألغام  بحكم عملهم في الزراعة والرعي على وجه الخصوص ، فهم أكثر من يتردد على تلك الحقول التي يشغل معظمها أراضيهم الزراعية مما تسبب بحرمانهم من استغلال مساحات واسعة من تلك الارضي لهذا تعمل المؤسسة بشكل منتظم ووفق تخطيط سليم لوضع خُطط تطهير حقول الألغام وتقوم بهذه المهمة مديرية التخطيط في المؤسسة من خلال فرقها التي تعمل على تسجيل البيانات و معلومات نشاطات شؤون الألغام من أجل التحليل و المتابعة و الأَرشَفة و تقديم التقارير وصولاً الى اسس ناجحة في المعالجة.

لافتا الى “وجود مديرية التوعية بمخاطر الألغام و مساعدة الضحايا والتي لديها تسع فُـرَق لتوعية المواطنين بمخاطر الألغام و المتفجرات إما مباشَـرةً (بزيارة القرى و المجمعات السكنية) أو بشكل غير مباشـر (عن طريق وسائل الإعلام) حيث يتم بثّ رسائل و تعليمات الوقاية من مخاطر الألغام و حوادثها. 

وهناك أيضاً مديرية ضمان الجودة و التفويض، إذ تقوم 33 فرقة لضمان الجودة بمهمة ضمان الجودة لنشاطات المؤسسة. و تتـم في المديرية أيضاً عملية منح التفويض للمنظمات و الشـركات العاملة في شؤون الألغام.

3378 حقلاً في الإقليم 

يقول عزيز من خلال المسوحات الميدانية التي أجريت في السنوات الماضية من قبل الفرق والمنظمات الدولية المتخصصة بنزع الألغام تأكد وجود 3378 حقلاً للألغام ضمن مناطق الاقليم تقع معظمها في المناطق الحدودية كشريط ممتد من أقصى الجنوب الشرقي الى أقصى الشمال الغربي للإقليم وكذلك توجد حول القرى والنواحي والأقضية التي حصل فيها القتال سابقاً بين قوات پێشمەرگە والقوات العراقية آنذاك.”

موضحاً أن خطورة حقول الألغام كبيرة ودائمة على حياة المدنيين والماريين في المناطق وفي ذات الوقت أدت الى تراجع الخدمات في المناطق المحاذيةلصعوبة إيصالها كونها تتعارض مع تلك الحقولالتي باتت تشكل خطراً حقيقيا على الحياة بشكل عام، كذلك لها تأثيرات على الجوانب الزراعية والعمرانية والسياحية وغير ذلك .”

مؤكداً على أن المساحة الملوَّثة بالألغام و المخلفات الحربية ضمن حدود الاقليم كانت فى البدایة: ٧٧٦ كم٢  أما في الوقت الحاضر تبلغ المساحة الملوَّثة بالألغام و المخلفات الحربية: ٢٦٥ كم٢ وذلك بعد تطهير  مساحة ٥١١ كم٢ عن طريق المسح و الإزالة من قبل الفرق المتخصصة بنزع الألغام وبعد جهد دولي لمنظمات وهيئات دولية شاركت في ذلك .”

مضيفاً أن تلك المساحات كانت مأهولة بأنواع مختلفة من الالغام والمخلفات الحربية ، منها ألغام ضد الأشخاص و ضد الدبابات والآليات إضافة الىأنواع عديدة من المخلفات الحربية مثل المقذوفات والصواريخ والقنابل العنقودية والعبوات الناسفةومشاعل العثرة وغيرها ، و يقدر عدد الألغام المزروعة ضمن مناطق الاقليم حوالي 6ــ  8 مليون لغم بينما تقدر المخلفات الحربية المختلفة بآلاف الأطنان.  

13436 مواطناً ضحايا الألغام

ويكشف عزيز عن أن إجمالي عدد ضحايا الألغام والمخلفات الحربية المختلفة في اقليم كردستان بلغ 13436 مواطنا بين متوفى ومصاب بشتى أنواع الاصابات لكن أغلبها عمليات بتر للأطرافوإصابات في الوجه والعينين ، إذ تتراوح أعمارالمصابين مابين 12 ــ 50 سنة بينهم عدد كبير من النساء وأغلب الضحايا من القرويين الذين يمارسون أعمال الرعي أو مختلف العمليات الزراعية في أراضيهم المحاذية للمناطق الحدودية.”

موضحاً أن هناك قاعدة بيانات لضحايا الألغام لدى المؤسسة العامة لشؤون الألغام والتي تم أعدادها نتيجة المسوحات التي أجريت من قبل المنظمات العاملة في هذا المجال خلال أعوام 2000 وكذلك 2006 ويتم تحديثها من قبل المؤسسة شهريا  وتتم رعاية الضحايا من قبل وزارة الصحة من خلال المؤسسات الصحية من بداية الإصابة وتوفير الأطراف الصناعية وحتى اتمام عملية التأهيل والاندماج مع المجتمع.

مشيراً الى “وجود معونة مالية ورواتب مقطوعة للمصابين والضحايا من قبل حكومة أقليم كوردستان كما هي تصرف للمعاقين بأسباب أخرى.

إنكماش في الزراعة والخدمات والسياحة والاستثمار

وعند الحديث عن المخاطر التي تتركها تلك الحقول على الحياة المدنية ؟ ومدى تأثيراتها على الزراعة مثلا ، السياحة ، الاستثمار ينبه مدير التوعية آكو عزيز الى أن مخاطر الحقول دائميّة على حياة المدنيين والماريين في المنطقة وتأثيراتها مختلفة من حيث قتل واعاقة الناس ومنع مالكي الأراضي والحقول الزراعية من استخدامها مما ينعكس سلبا على واقع الزراعة وتقليل مساحاتها وحصول حوادث حرق للمحاصيل الزراعية جراء انفجاراتها إضافة الى  التأثيرات الاخرى وهي كثيرة منها ما يتعلق بنقص الخدمات، إذ يحول وجود الالغام في مناطق عدة من حرمانها من توسيع الخدمات خاصة خدمات الطرق على سبيل المثال وتمتد التأثيرات الى الجوانب السياحية والترفيهية وتمنع نشاطاها ضمن المناطق الملوثة حتى وأن كانت ذات طبيعة سياحية جاذبة إضافة تقليل فرص الاستثمار والتجارة والبنية التحتية ومشاريع التنمية والتطوير المختلفة.

  وإزاء التعامل مع تلك الحقول ومحاولة الخلاص منها يقول مدير التوعية في المؤسسة العامة لشؤون الألغام في الإقليم آكو عزيز إن ” المؤسسة تتعامل مع هذا العدد الهائل من الحقول على أساس توفير التمويل والدعم المالي من قبل حكومة الإقليم وكذلك الدعم الدولي من خلال المنظمات والشركات العاملة في مجال رفع الألغام ونرحب بأي جهد دولي تطوعي أو غير ذلك للعمل على تنظيف مناطق الاقليم من هذا الكابوس الذي يخيم على الناس ويقلل من فرص عيشهم الكريم بأمان واستقرار .”

التخصيصات المالية لا توازي حجم المشكلة

المؤسسة العامة لشؤون الألغام في حكومة اقليم كردستان لها الكثير من النشاطات وأيضا عندها خطط مستقبلية تتعلق بنزع الالغام والخلاص منها نهائيا، إذ تقوم بعملية تطهير الحقول الملوَّثة بالألغام و المخلفات الحربية بالطرق التالية يقول عزيز :

أولاً:طريقة التنفيذ المباشِـــر حيث يقوم فُـرَق إزالة الألغام التابعة للمؤسسة بتطهير حقول الألغام و التخلص من الألغام و المتفجرات المتراكمة. 

ثانياً:عن طريق المنظمات الإنسانية المحلية و الدولية التي تعمل بتمويل من الدول المانحة تحت إشراف المؤسسة.

ثالثاً:عن طريق الشـركات التجارية المحلية و الأجنبية للقطاع الخاص.

وفيما يتعلق بدعم حكومة الاقليم للمؤسسة وتوفير المناخ المطلوب لها للمضي في عملها في موضوع نزع الالغام قال : ـ 

“سبق وأن خصصت الحكومة في اقليم كردستان ميزانية استثمارية للمشاريع من 2005 الى 2013 كانت 127 مليار دينار عراقي وهي جزء من تخصيصات حكومة الاقليم إلاّ أن هذا لمبلغ لا يوازي حجم المشكلة لأنها كبيرة ومتشعبة وبحاجة الى مبالغ أكثر .”

موضحاً “ نفذت عن طريق تلك المبالغ العديد من المشاريع والتي كانت تتم عن طريق مناقصات للشركات المحلية والدولية مع وجود منظمات دولية غير حكومية وكذلك منظمات تابعة للأمم المتحدة تعمل في الإقليم في برنامج شؤون الألغام والتي ساهمت وتساهم في تقليل حجم الخطورة والتلوث في الإقليم.

وفيما يخص المعوقات الاساسیە لبرنامج شؤون الألغام يقول : إن المیزانیة المخصصة لشؤون الالغام غير متكافئة مع مساحات التلوث في الاقليم ولهذا يبقى الخطر قائم ويهدد حياة الناس والحياة بشكل عام ، كما أن الميزانية الاستثمارية توقفت بسبب الازمة المالية والتي كانت توفرها حكومة أقليم كوردستان وبالتالي ادى ذلك كله الى تراجع عملالشركات المحلية العاملة في مجال ازالة الالغام، يضاف الى ذلك قلة المنح الخارجية لدعم الازالة للمنظمات الدولية والمحلية العاملة في أقليم كوردستان، فهذه المنح أصبحت شحيحة جدا وبالتالي لابد من التفكر جديا بالكيفية التي يمكن خلالها إيجاد دعم وتمول لمواجهة خطر هذا الوحش الصامت الذي يهدد حياة الناس ، وأن المؤسسة تسعى لتوجيه الأنظار نحو المجتمع الدولي على أمل أن يكون هناك حضور قوي للمنظمات الدولية المتخصصة بنزع الألغام لتساهم في تنظيف مناطق الإقليم وكل المناطق المأهولة بالألغام والمخلفات الحربية التي أثرت بشكل أو بآخر على حياة العراقيين عموماً.

مشيراً الى أنه بسبب الحروب التي اندلعت في المنطقة ، واجهت مساحة كبيرة من أراضي إقليم كوردستان مشكلة الألغام والمتفجرات, إذ تعود هذه المشكلة إلى بداية الستينيات بسبب الحروب بين الحكومات العراقية المتعاقبة والحركة التحررية الكردية ، كبرت هذه المشكلة وازدادت فاعليتها خاصة في فترة الحرب بين العراق وإيران وأيضًا بسبب الحروب والعمليات العسكرية خلال السنوات من 1991 – 2003 ثم حرب داعش الإرهابية.”

وأشار الى أن أكبر مساحة من أراضي اقليم كردستان تعرضت للتلوث بالألغام والمخلفات الحربية كان خلال الفترة 1980ـــ  1988 ، وهي نتيجة اندلاع الحرب بين العراق وإيران ما أدى الى حصول خسائر كبيرة في أرواح الناس وممتلكاتهم أيضا خاصة المواشي التي نفقت أعداد كبيرة منها جراء انفجارات حقول الالغام .

وختم حديثة بالقول بعد هجوم داعش في عام 2014 واجتياح الموصل وجنوب كركوك وأماكن أخرى ، تلوثت مساحة كبيرة من أراضي الإقليم بالعبوات الناسفة ومختلف المتفجرات وفي كل الاحوال سوف لن نقف مكتوفي الايدي إزاء ذلك الخطر، بل سنعمل بالممكن وفي الحد الادنى نعمل على توعية وتثقيف المجتمع بخطر وجود الالغام وحث الناس قدر الامكان على عدم التقرب من المناطق الحدودية والمناطق المؤشرة بوصفها مناطق خطر ونسعى الى اقامة الندوات الميدانية لمختلف الشرائح الاجتماعية خاصة سكان القرى من كلا الجنسين فهم دائماً أكثر عرضة لخطر الألغام سيما الرعاة منهم الذين تعرض بعظم الى عمليات بتر في أطرافه بسبب انفجارات الألغام.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى