مقالات

ربما .. لاني صبيه بقلم شهلاء شاكر

بقلم / شهلاء شاكر*
ذاتَ يوم ٍ استوقفني جرحا ً من جروحي العديدةِ وربما القديمه ، جرحاً تركَ في اعماق نفسي البريئه الكثير والكثير من علامات ِ الاستفهام والسؤال وانا لازلت طفلةً صغيره تلهو مع بقيةِ البنات ..
وانا في هذا العمر الان ( اسال نفسي ) هل الكفر والوثنيه والنجاسه هي في قلب وعقل كل انسان يؤمن بأن معتقداته ودينه افضل من معتقدات غيره ، ومن يدعي بحقوق الانسان ويرى الظلم ولايساعد المظلوم فهو شيطانٌ اخرس..
انا عراقية وافتخر ، مندائية الاصل ولي الشرف بذلك دياناتي الصابئيه هي اقدم الديانات التوحيدية في العالم .
منذُ طفولتي وانا اسمع كلمات التفريق والتمييز الديني والاعتقادي وينعتوني بالصبيه النگسه ( اي الغير نظيفه ) ، يعني حامله للاوبئه وجراثيم العالم ، سكنت في العراق الذي يشكل سكانه المسلمون نسبة 95 بالمائه على مااظن — لم اكن افهم لماذا بنت الجيران ذات الخمسه عشر عاماً تركض ورائي وتضربني وتشدني من شعرات رأسي الناعمةُ كلونِ الشمس وهي تردد ( شهلاء الصبيه النگسه ) ..اتذكر عندما كبرت وتعمدت ُ في مياه دجله الخالد وانا ارتدي ملابسي البيضاء وغصن الآس يجملُ اصبعي ، والشيخ يمسك بيدي لمساعدتي الى النزول في الماء الجاري ثم يأخذ رذاذاً منه ليسكبه على رأسي وانا ارتجف ُ برداً ، وفجأةً تلقيت ُ ضربةً بحصى على وجهي وتحديداً على اسناني من قبل شخصاً كانَ واقفاً مع مجموعه من الناس وبمختلف الاعمار وهم ينظرون لي وللجالسين ذوي الرداء الابيض على الشاطيء ، من على الجسر الممتد فوقنا وهم يصرخون ( هذوله الصُبه النگسين ) ، كان هذا في اواخر السبعينات من القرن الماضي .. لااستطيع ان اصفُ لكم ماحصل لوجهي واسناني من جرحٍ غائر لازلت اعاني منه لغاية يومي هذا ، ذلك الجرح الذي لون تلك المياه الزرقاء الصافيه وجعلها حمراء بلون الدم وماحصل َ من ردةِ فعل ٍ لاهلي واقصدُ ابي الحبيب وامي الغاليه ( اطال الله بعمرهما الكريم )
سنوات ٌ وسنواتٌ وسنوات ْ رحلت وانا اشعر ُ بالتمييز من قبل ِ جهلة الناس المتخلفين والذين لاوجود للحب والتسامح طريقاً الى قلوبهم ، وهنا اكرر قولي ( ليسوا الكل ) ولكن البعض منهم وهم تلك القلة التي لم تسلم منهم بقية الاقليات واصحاب الديانات الاخرى من شتى انواع الايذاء والشتيمه والاستحقار وصولاً الى الاذلال ..
اتذكرُ وانا طفلةٌ صغيره ، كيف كانَ بيتنا مفتوحا لكل اخوتنا وجيراننا من احبتنا المسلمين والمسيحين على حدٍ سواء ، وكيفَ كان مطبخ ُ امي عامراً بشتى انواع الاكلات العراقيه المعروفه وكيف كان بيتنا يضجُ مزدحماً بشتى انواع الضيوف ونساء الجيران وهن يطلبن من امي ان تطبخ لهن َ ( الباچه والبرياني والدولمه والبط والسمك المشوي والطرشي الاحمر وانواع الكبه وخبز التنور العراقي وشاي الفحم بطعم الهيل ) واتذكر ايضا كيف كان يخرج العرسان من بيت اهلي كاعراس الاقارب والاصدقاء فكان بيتنا مثل البيت الكبير الذي تخرج منه العروس والعريس على حد سواء واتذكر تلك الجلسات الجميله مع النسوه في حديقةِ دارنا العامرة بالحب والصفاء والموده وكيف نرى وننتظر عودةُ ابي من عمله في محل صياغةِ الذهب والذي هو ملكاً لابي ، يعود الينا عصرا بسيارته وهو محملاً بشتى انواع الخضار والفواكه واللحوم والحلويات والهدايا لنا ولجيراننا الطيبين ، وكيف كانت فرحتنا انا واخوتي واخواتي البنات نتسابق لاستقبال ابي ومساعدته في حمل اكياس الهدايا والفواكه والخضار ..
نعم هكذا كانت علاقاتنا وتراحمنا ومحبتنا لبعض ، فنحن لم نكن يوما نجسين او ملوثين او خالين من الطهاره .. فالطهارةُ احبتي تكمن ُ في العقل والتفكير وليست في الاعتقاد او الدين لان كل الديانات هي من وضع الله عزوجل وكلها ذكرت في الكتب المقدسه منذ بداية الخليقه وانتهاءأً بالقران الكريم ،
نعم احبتي الديانة الصابئية هي ديانه توحيديه ويؤمنون بالحي العظيم وهو الله وان من يكفر عباد الله هو كافر وهل تعرفون احبتي باننا السكان الاصليين للعراق وهل تعلمون بان شهر رمضان المبارك هو شهر الطاعه والغفران وفيه وجب الصيام على المسلمين بايامٍ معدودات ولنا كصابئه مندائيون ايامٍ معدودات نصومها حباً وامتثالاً لامر الله وهو الحي العظيم ..
لم افكر يوما وحدا باني شهلاء الصبية النگسه ، لا بالعكس كنت ولازلت اقول وافعل مع نفسي واكرر باني شهلاء الصابئيه المسيحية المسلمة والايزيديه العربية والكردية والتركمانية والاهم من كل ذلك ( انا شهلاء العراقية الصابئية والمندائية ) وهذا هو سر فخري وحبي لكل الناس ، نعم افتخر بكوني مندائيه لان ديني لم يجبر احدا مرغما بالدخول اليه ، ولم يحارب الاديان ِ الاخرى ولم نحرض على قتل الاخ لاخيه او التفريق تحت مسميات الاصل والعرق والدين …
نعم ( انا المندائية المؤمنة بالحي العظيم ، الحي الازلي ، المزكي ، المهيمن ،الرحيم ، الغفور ) لان الله الحي العظيم انبعث من ذاته وبأمره وكلمته تكونت جميع الخلائق والملائكه التي تمجده وتسبحه في عالمها النوراني ، فهل عرفتم احبتي من انا ..
نعم انا شهلاء العراقية الصابئيه ) والصابئة هم الصابغة وهي اهم طقوسنا وهو ( الاصطباغ ) بالماء الجاري والنظيف ففيه سر الحياة والعطاء والاصطباغ هو التعميد والطهاره للجسد والفكر والروح .. فهل عرفتم الان لماذا انا صبيه ..
كاتبة من العراق 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى