ادب وتراث

لؤي حمزة عباس المطمئن

  • محمد غازي الاخرس / بغداد:

    لا أتذكر إن كانت الحادثة قد جرت عام ١٩٩٨ أو بدايات عام ١٩٩٩، لكنها لا تبرح ذهني، وإنني لأستعيدها الآن كما أستعيد ملوحة «الحبّ» الذي بعته في سوق الاربعتآلاف بمنطقة الشعب. كنت أمر بأسوأ أيام يمرُّ بها إنسان، فقرٌ مدقعٌ وضغوط حياة تكاد تعصر صدري. كنت مجرد شاعرٍ مسكين يبيعُ أيامه ملفوفةً بورق رخيص، وكان البيع بنكهة «المامش» كما يعبّر مظفر النواب. لا أفق ولا أمل، كل شيء مغلق بقفل اسمه اليأس المادي والمعنوي. وفي ذات يوم، كدت أنهار، وراودني الشيطان «الثقافي» الذي لفّ الجميع آنذاك ثم همس لي – شمالك يا خايب، أفلا ترى ربعك يكتبون في الجرائد «نثرا وطنيا» ويأكلون الشهد؟ لماذا لا تتغزل ببغداد ببضع عبارات، فيأتيك الربع مليون والنصف مليون وتنتهي من عربانتك وإذلالك اليومي؟ همس شيطان مسح أحذية الطغيان في أذني وتركني أتقلّب على جمر الغضا. هل أفعلها؟ هل يعقل أن أفعلها؟ وفي لحظة انتباه، قررت الذهاب لبعض رفاقي كي أتلقى منهم التشجيع كي أصبرْ. ركبت ونزلت في الباب المعظم. وفي الطريق صادفت حيدر سعيد ومعه لؤي حمزة عباس، القاص البصري الذي طالما قرأت له ولم ألتقه أبدا حتى تلك الحادثة. استوقفتهم لأرافقهم، ثم مشينا. وبعد حين، قلت لحيدر – حيدر تره حيل تعبت ..شلون راح تتعامل معي إذا كتبت نثرا وطنيا؟ فابتسم ولم يرد. ربما أشفق عليَّ مما سيقوله. فبعد خطوتين، قال بحدة لم أعتدها منه: إذا كتبت حرفا واحدا.. بعد إذا تشوفني بأي مكان لا تسلّم علي، هذا هو جوابي. وهنا قهقه لؤي حمزة بطريقته المعهودة وقال – على كيفك وياه. ثم التفت لي وقال – لا تحير صديقي.. سافر، انهزم.. روح لعمان.. شعندك باقي! كانت عبارة «شعندك باقي» شبيهة بقارب نجاة يلوح من بعيد لينتشلني، وهو ما جرى بالفعل بعد أشهر من تلك «الاستشارة». غير أن الأهم من ذلك هو اطمئنان لؤي العجيب وهو يقهقه. بدا اطمئنانه مثل اطمئنان من جرّب تلك الهواجس وانتهى منها باكرا،أو ربما هو اطمئنان من قرر البقاء رغم كل شيء، وهو شأن إنفرد به أدباء البصرة ومثقفوها عموما. لماذا تذكرت هذه الحادثة يا ترى؟ هنا تسكب العَبرة وتؤخذ العبرة، ذلك أنَّ صاحبي الآن متوعكٌ ويرقد في المستشفى، وثمة من يقول أنّ جلطة ضربت دماغه اللامع، لكنها عبرت بشرها. يقولون ذلك منذ أيام، فأتقلب أنا من قلقي وألمي عليه، خائفا مبتهلا : أي ربَّ..لا تترك لؤي حمزة راقدا في وعكته طويلا. أعده لنا سالما لنسمع قهقهاته من جديد.

  • كاتب وصحفي عراقي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى