ادب وتراث

ذكريات وشواهد من الموصل قبل نصف قرن

مدينة الموصل الوارفة المسكونة بعبق التاريخ والحضارة والموشحة بكل معاني التراث، المزدانة بمحلاتها السكنية العتيقة وجايخاناتها وحماماتها و(عوجاتها) الضيقة الملتوية، وهي مدينة الجوامع والمساجد وأضرحة الأنبياء والأولياء، فيها مرتع الصبا والعاب الأطفال في كل أزقتها المعروفة. تجد فيها من العادات والتقاليد الاجتماعية الكثير المعبر عن الأصالة والانتماء لتربتها، لكل منا ذكرياته في أرجائها، لو جمعت لشكلت مجلدات في مادتها الخصبة التي تروي قصة مدينة عتيقة في معطياتها وحوادثها التاريخية. وما جرى على ارضها من خطوب ومحن وأفراح وحوادث منها المؤلم وآخر المفرح. مدينة الموصل ضمت شخصيات لعبت ادواراً تاريخية على امتداد تاريخها، والموصل لها بصمتها في التاريخ العراقي الوطني العام، ولها كلمتها في الاحداث الكبرى. تتميز مدينة الموصل بمورفولوجيتها الجميلة التي لا تزال تتهادى قسماتها على ضفاف نهر دجلة (الموصل قبل نصف قرن) – هكذا اختار الدكتور سمير بشير حديد، عنواناً لمؤلفه الذي أصدرته الدار العراقية للموسوعات 2013 ويقع بـ (310) صفحات، حيث سعى الى تسجيل جانب من تاريخ وتراث هذه المدينة. متناولاً بعض محلاتها السكنية القديمة مع ذكر الشخصيات التي عاصرها منذ الطفولة، واهم الاحداث التي رافقته منذ خمسينيات القرن العشرين، مؤكداً على اجواء التلاحم الشعبي وترابط النسيج الاجتماعي لابناء مدينة الموصل والاسر الموصلية العريقة، فضلاً عن العادات والتقاليد التي ميزتها عبر تاريخها الطويل، والتأكيد على هويتها الحضارية العربية الاصيلة.
وتجيء تفاصيل هذا الكتاب بما حفلت به ذاكرة الدكتور سمير حديد عبر ما يزيد على خمسة عقود من الزمن مركزاً على النواحي الاجتماعية والتراثية، ويؤكد ذلك في مقدمته بقوله: “ان محاولتي هذه تهدف الى الحفاظ على الموروث الشعبي للبيئة التي تمثل سمات الشخصية الموصلية، في سيرورتها المتعاقبة عبر الزمن، حيث ان التراث يحمل سحنات الهوية الحضارية لتلك الشخصية، لاسيما وان الموصل، قد صنعت لها تاريخاً حضارياً ضارباً في عمق الوطن والزمن، فظلت حاضرة ثرية بالموروث الشعبي المتنوع بتنوع المكان والمناخ والناس..” فإلى جانب المقدمة وقائمة المصادر والمراجع والكشّاف العام. ضم الكتاب اربعة فصول وهي كما يأتي في عناوينها الرئيسية؛ الفصل الاول: الموصل واجهة الحضارة والسياحة في العراق، الفصل الثاني: محلات الموصل القديمة، الفصل الثالث: الاكلات الموصلية الشعبية، الفصل الرابع: حقيبة ذكريات، ثم المصادر والمراجع، والكشاف العام.
ان هذا الكتاب في حقيقة الامر ممتع للغاية ومفيد لكل باحثٍ في التاريخ العام وبشكل خاص في التاريخ الاجتماعي لمدينة الموصل، فهو يقدم معلوماته بلغة عربية رشيقة وواضحة، متحري الدقة ومضمناً معلوماته ببعض المراجع والمقالات المتاحة على شبكة الانترنت، وهو جهد عميم متميز يضم معلومات في غاية الاهمية عن منطقة شارع فاروق ومحلة خزرج ومحلة المشاهدة ومحلة حمام المنقوشة وسواها. متمنياً للأخ الفاضل الدكتور سمير حديد كل التوفيق ومزيداً من العطاء العلمي. وهو الاكاديمي المتخصص بالرياضيات، والباحث في التراث الموصلي. وارى من الاهمية ان اجمل بشكل مختصر سيرته العلمية حيث ولد في الموصل سنة 1948 وحاصل على البكالوريوس رياضيات سنة 1971 من جامعة الموصل كلية العلوم. وحصل على شهادة الماجستير في التحليل الدالي سنة 1974 من جامعة سسكس – في انكلترا. وحصل على شهادة الدكتوراه سنة 1979 من جامعة لندن في الرياضيات (تحليل دالي ومعادلات تفاضلية). كما نشر (40) بحثاً متخصصاً في الرياضيات باللغة الانكليزية بمجلات عالمية تصدر في: اميركا واوربا واليابان وكوريا والهند .. وسواها. كما شارك في مؤتمرات عالمية وعربية عدة عقدت في: اميركا، واليابان، وبريطانيا، وبولندا، واسبانياً، وبلغاريا، والهند، وتركمنستان وعدد من الدول العربية. ولديه اهتمام بالتراث العالمي والعربي بشكل عام، والتراث الموصلي بشكل خاص، وقد نشر ما يقارب (100) مقالة تعنى بالتراث والسيرة الذاتية لاعلام عرب متميزين في مواقع الكترونية متعددة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى